السبت، 12 سبتمبر 2015

حديث أوراق الغار‎





النظافة صنعة لأهل الشام؛ جعلوا من أدواتها تجارة ومن أماكنها مجلس ومُستأنس. 

حين تعود للعام الألفين قبل الميلاد تجد أهل حلب سبقوا العالم بصناعة قطعة زيتية اللون بخلط زيت الزيتون مع زيت الغار وبعض المكونات الأخرى بطريقة عمل مقننة تمر بعدة مراحل حتى تكون هي برائحتها المميزة. أول صابون يصنع على مر الأزمان ولمْ يزل المفضل لدى الكثيرين. لم تخالطه كيميائيات المطورين ولا عطور الفرنسيين ولمْ تتبناه شركات أو تُعلن عنه عارضات وممثلات. بل ظل كما هو صابون الغار أو الصابون الحلبي تتوارث صنعه أجيال وأجيال. 

إذا جاء موسم الصابون في فصل الشتاء تقطف ثمار الغار والزيتون وتعصر ثم تخلط على درجة حرارة عالية ثم تخلط مع رماد الصودا ثم تسكب في قوالبها حتى تجمد وتترك لتجف فترة طويلة مابين الستة والتسعة أشهر حتى تكون جاهزة وتبقى لفترة طويلة جدّاً تستخدم فيها لتعطير الملابس وللاستحمام. 
صنعة كهذه لا يمكن أن تمر دون أن يُطبع لها طقس وأن يُجعل لها احتفال؛ فعُرف عن أهالي لواء اسكندرون أن الفتيات يخرجن لجمع ثمار الغار ثم يجتمعون في أحد البيوت لمشاهدة صناعته وقبل أن يُسكب في قوالبه يرمي أحد الشبان قطعة ذهبية حتى تكون في أحد القوالب ومن كانت هذه القطعة من نصيبها كان ذلك إشارة لقصة حُب ستكون بينهما. 

فلم تكن شجرة الغار وزيتها مجرد مصدر للصابون بل كانت تخبئ الشُبّان ليختلسوا نظرة وكانت سبباُ للحُب ومفتاحاُ للعشق والحكايا الجميلة حتى صار يضرب بها وبزيتها المثل ويقاس بنفعهما فيقولون (أنفع من زيت الغار) !