السبت، 12 ديسمبر 2015

أقراص الشمس الحُلوة



[ بائع كحك في مصر 1890]

قد تكون جدران مقبرة (خميرع) من الأُسرة الفرعونية الثامنة عشر هي أول مرجع لوصفات البسكويت والكحك. فقد ظهر فيها كيف كانوا يخلطون عسل النحل بالسمن ثم يضيفون دقيق القمح إليه حتى يكون عجينة يسهل تشكيلها ثم تخبز في الأفران وقد تزين بالفواكه المجففة أو التمر.
كانت زوجات الملوك في عصر الفراعنة يحرصن على تقديم الكحك للكهنة القائمين على حراسة الهرم خوفو؛ و كُن يطلبن تشكيله على شكل أقراص منقوش عليها نقش يشبه الشمس كناية عن شكل تميمة الإلهة -ست- كما ورد في أسطورة إيزيس وايزوريس؛ وهي من التمائم السحرية التي كانوا يرون أنها تفتح للميت أبواب الجنة.

للكحك قُدسيّة خاصة! وطعم مرتبط  بالأعياد والمناسبات؛ هذه الفكرة عالمية وليست مخصوصة بأرض معينة أو مذهب خاص. الطولونيون في مصر صنعوا له قوالب خاصة منقوش عليها (كُل واشكر) بينما زاد الإخشيديون على ذلك وحشوه بالدنانير الذهبية ووزعوه على الفقراء في العيد؛ الفاطميون بدورهم لمْ يكونوا أقل ممن سبقهم بل خصصوا له إدارة حكومية تُسمى - دار الفطرة - وكانوا يفرّغون المخابز لصنع كحك العيد من منتصف شهر رجب! وتوارثت الدول هذه العادة حتى وصلت إلى البلاط العثماني. ثم أتى جيلٌ بعد جيل؛ وقرنٌ بعد قرن؛ و مرت بالعالم العربي مذاهب وديانات؛ حروب ودويلات؛ ولمْ يزل البسكويت المُحلى بكافة أشكاله وفنونه هو سيّد الحلويات وأساسها؛ بل إن العجين عامة هو أساس للحياة ولذلك سميّ - الخبز - عيشاً؛ ومنه كان القول الدارج (البحث عن لقمة عيش).



[ ختم كحك لعبارة - كل هنيئاً- بالخط الكوفي ]


العجين كان وسيلة التسلية للأطفال حين يتخطفونه من بين يديّ أمهاتهم، حين تجتمع ستات البيوت في أواخر رمضان لعمل الكحك والبسكويت للعيد في دائرة تبدأ بأخذ العجين ثم نقشه ثم رصه وأخيراً يحمله الصبيان إلى فرن الحارة. عملية صنع الكحك هذه تتطلب مهارة معينة؛ تتخطف عينا الأم حين تريد الخطبة لولدها أمهر البنات في هذا وعلى لسانها يدرج المثل المصري :(ما تخدش أم كحلة ولبانة ؛وقت العجن تعمل عيانة. ما يعجبكش قصتها ولا كحلتها وقت الخبيز يا لخمتها)

اختلفت دوافع خبز تلك الأقراص اللذيذة لكنها استمرت كسيل متدفق لم ينقطع؛ من قرابين تقدم إلى اللآلهة إلى طقوس لابد منها لبهجة العيد؛ وتنوعت نكهاتها وطرق تقديمها وحشواتها لكنها ومهما اختلفت وتعددت تظل الحلوى الأولى في الشرق العربي التي لا يقوم الفرح إلا بها و لا يلتم شمل إلا بحضورها؛ ففيها رائحة بيوت الجدات وبين فُتاتها أحاديث الخالات والعمات التي كانت تروى وهن يُقلبنها بين أيديهن وفي لونها الأشقر دفء البيت وفي طعمها الطيّب هويتك أنت أيها العربي.