الجمعة، 17 يوليو 2015

عيد سعيد!







الله أكبر الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.


غاب هلال رمضان؛ وأطفئت الفوانيس وأنزلت عن الجدران؛ وأُعلن عن العيد في كل بلد ودار بما اعتادت من طلقة مدفع أو شعلة نار. وبدأت الاستعدادات له مع فرحة تختبئ بين طبقات فستان طفلة أو تنتشر على كفيّن مخضبين بالحناء أو داخل أفران الخبز والكعك


العيد لا يأتي فجأة لذلك يكون الاستعداد له منذ إقبال العشر الأواخر من رمضان فتُعد أطايب الحلوى والكعك؛ تجتمع نساء الحي في بيت واحد ليصنعوا من مزج الدقيق والسمن والتمر والمكسرات، أطيب لقمة قد يتذوقها الإنسان فتذوب في فيه مخلفة نشوة لذيذة. قدور لتذويب الفواكه المجففة والمكسرات بالهيل والقرفة والمطيبات فتكون أحد الأطباق الملكية في أرض الحجاز وسيّدة سفرة العيد. طاحونة القمح لا تفتأ عن الدوران لتكون الخطوة الأولى لما تبدع الخليجيات في طهوه (الهريس)

اختلفت البقاع وتنوعت الأذواق لكنه استعداد واحد وفرحة واحدة



العيد لا يليق به سوى الجديد والجميل من الثياب فكانت أقمشة العيد تشترى وتخبأ قبيل رمضان لتنتج يد الأم من بين الإبرة والخيط ثياب زوجها وأولادها وفستان طفلتها؛ وقد يعطي أهل الغنى ما تيسر من نظيف ثيابهم لأهل الكفاف؛ أوراق خضراء مجففة ومطحونة تُخلط بالماء لتجلس الصغيرات أمام الجدّة باسطاتٍ أيديهن فيمسكن بكرات طيلة الليل حتى ينبلج الفجر وأيديهن تشرق بلون الحناء.


العيد فرحة للصغار فتقام ساحات الألعاب وترفع أعمدة المراجيح التي لم تكن ترفع إلا تلك الأيام وتوزع النقليات والمكسرات والحلويات لترتبط في أذهانهم بطعم 
العيد

اليوم هو نفسه؛ والمناسبة هي ذاتها؛ لكن رائحة الكعك لم تعد تعطر نسمات ليلة العيد وبدلة الضابط والفستان أبو الكرانيش جافاها الأطفال في أحلامهم وصار للحياة بعد ذلك شكل آخر.

عيدكم سعيد وذنبكم مغفور وأيامكم هنيه 

الجمعة، 10 يوليو 2015

وصفة الأرز الإيراني بالزرشك






خوش آمديد أو أهلاً وسهلاً

حين ترى أطباق الطعام الإيرانية مزينّة بحبيبات حمراء لاذعة الطعم فتظنها حب فاكهة الرمان المجفف فأنت تبهت حق شجرة البرباريس. تلك الشجرة الصغيرة ذات الأزهار المتدلية كعناقيد والثمار الحمراء الصغيرة كياقوت يبرز جمالها. ثمار شجرة البرباريس عرفت قديماً كعلاج واسع الاستخدامات في الطب القديم فاستخدمت كقابض للبطن؛ مفيدة في حالات قروح الأمعاء ونزيفها.كما أنها مفيدة للهضم؛ مقوية للكبد والمعدة. وحتى في حالات السموم لها فائدة عظيمة خصوصاً عند مزجها مع ما يشابه بخواصها كالليمون.
تُسمى علمياً برباريس نسبة إلى  اسمها العربي (أمير باريس) أما في مصر فتسمى (عُقدة) وفي فارس يطلق عليها (الزّرشك)  تنبت طبيعياً في عدد من بلاد العالم أشهرها ما يسمى بالبرباريس الأندلسي، والبرباريس الشامي، الذي يجلب من جبال بيروت وبعلبك وتُعد هذه الشجيرات وثمارها من أنواع التوت البري. ومن أبرز استخداماتها في الوقت الحالي حين تُجفف وتضاف لبعض خلطات البُهارات أو تنقع وتُشرب كشاي أو تضاف كمنكهات للطعام وعلى رأسها حين يُزين بها وجه الأطباق كمثيلاتها من الزبيب والصنوبر والزعفران.

برعت إيران في استخدامه كلمسة أخيرة تضيفه إلى أطباقها؛ فارتبط ذهنيّاً وجود حبيبات الزرشك الحمراء بالأرز الإيراني المزعفر. وحين نقول إيران يعني ذلك عالم فريد من نوعه أشبه بالأساطير تأخذك اللقمة الأولى إلى رحلة أسطورية لاذعة الطعم ممزوجة بحموضة بين الطراوة الغنيّة والقرمشة الشهيّة لتأكد لك أن هذا هو طعم اللذة الحقيقي الذي ينبض بالحياة. وغالباً لا تخلو السُفرة الإيرانية من طبق الأرز المشهور؛ المصبوغ بلون الزعفران والمنكه بماء الورد والمزيّن بالزرشك القادر على إتمام لذّة الطبق. 

بفرماييد فتفضلّوا وصفة الأرز الإيراني بالزرشك

المقادير:
400 جم  - كوبان من أرز بسمتي
من كوب ونصف إلى كوبين ماء ( حسب نوعية الأرز ) 
5 جم -ملعقة صغيرة زعفران، يفضل ان يكون مطحون

45جم -3 ملعقة كبيرة زرشك

15 جم -ملعقة كبيرة زبدة ( يمكن استبدالها بزيت نباتي )  

30 جم  - 2 ملعقة كبيرة بصل مبشور 

رشة سكر

المطيبات:
1 كبش قرنفل
2 حبة هيل صحيح 

طريقة العمل:

1- في قدر على النار يوضع الماء والمطيبات والزيت والملح حتى الغليان.

2-يضاف الأرز المصفى بعد نقعه .

3-يطهى على نار عالية حتى  يقل مستوى الماء وتظهر فقاعات الغليان على السطح (تقريبا من 3 إلى 5 دقائق)
ثم نغطيه ونخفف النار للحد الأدنى.

4-ينظف الزرشك من الحجارة الصغيرة ويغسل جيداً ويصفى .

5-في قدر صغير تذوب الزبدة على نار متوسطة, يضاف  البصل المبشور ويقلى لمدة دقيقة تقريبا يضاف الزرشك ويقلى لمدة دقيقة ثم يضاف السكر وقليل من الملح وأخيرًا يضاف الزعفران المذاب ويطهى لمدة 3-5 دقائق.


يوضع خليط الزرشك  جانبا

6- في وعاء يخلط 3 ملاعق من الأرز بعد نضجه مع خليط الزرشك ويقلب جيدا .
7- يسكب الأرز في طبق التقديم ويزين بخليط الزرشك ويقدم  ساخناً.


*من الممكن إضافة الزبيب أو الفستق مع الزرشك .





المائدة الإيرانية تعني مهرجان من أجمل الألوان؛ فالمطبخ الإيراني مشهور بسخاءه وبخلاف الكثير من المطابخ التي تستخدم الحرّ في أكلاتها من أجل الطعم القوي أو تعتمد على مكوّن واحد ليكون صاحب النكهة الأساسية، فهو يعتمد كثيراً على الأعشاب الطازجة والمجفّفة ليضفي نكهات مختلفة ومميّزة إلى كل طبق. وليست النكهة وحدها ما يميز الأطباق الإيرانية؛ بل نرى تكامل كل طبق على حدة كوجبة لا ينقصها عنصر غذائي فترى اللحوم والأسماك تنسجم مع أنواع الخضار في أنواع مختلفة من الأطباق بل قد يصل الابتكار الإيراني إلى إضافة بعض الفواكه المجففة؛ فكل وصفة لا تشابه الأخرى في الطعم؛ لها نغمها ولذّتها الخاصة وألوانها المختلفة؛ لكنها تظل كوجبة كاملة غذائياً غنيّة بمذاقها.

 نوش جان وبالصحة والعافية

الاثنين، 6 يوليو 2015

"أنطونه الله ينطيكم بيت مكة يوديكم"








لم يكن رمضان الخليج إلا مظهراً بهيجاً يجعل من البساطة حليَة له؛ وأنغامه العذبة أهازيج الصغار وتلاوات الكبار وصوت أئمة المساجد قائمين بالأسحار .. لكن الحداثة لمْ تُبق من ذاك المظهر ولمْ تذر.



اعتاد الخليجيون على استقبال رمضان بليلة (قريش) وهي تصغير لـ(قرش) عُملة المال المتداولة آنذاك. وهي الليلة التي تسبق دخول شهر رمضان المُبارك يجتمع فيها العائلة لتناول آخر وجبة قبل الصيام وأول وجبة سَحور. وسميت بالقريش لبساطة ما يوضع فيها من الطعام حيث يجمع ما تبقى من طعام اليوم السابق أو يكون الطعام فيها بسيطاً ولذلك صُغّر مسمى القِرش فيه لبساطة ما يُدفع فيه من المال.


كان الأب العُود وزوجته الحجية وأولاده وزوجاتهم والأحفاد يسكنون ذات البيت فيجمعون فائض الطعام ويتحلقون حول سُفرة بسيطة قيمتها كقيمة المتبقي في جرة المال حين تشارف على الانتهاء فتقرقش العُملات داخلها وكما يُقال في المثل الدارج (اليوم القريش وباجر نطوي الكريش).
ويقبل الشهر الفضيل على أهل الخليج حتى إذا انتصف خرج الأطفال على مدى ثلاثة أيام كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر ليطوفوا حول البيوت وفي السكك والـ(فرجان) يطرقونها متغنين بترانيم معروفة للأولاد والبنات كلٌ في مجموعته؛ فيقول الأولاد (سلّم ولدهم يالله خَلّه لأمه يالله) بينما يرد البنات (قرقيعان وقرقيعان بيت قصيّر ورميضان)؛ حينها يعطيهم صاحب الدار ما تيسر من الحلوى والمكسرات ليشكروه بطريقتهم (عساكم تعودونه وكل سنة تصومونه). وقد يكون نجم تلك السنة أصغر مولود في الأسرة لينادي الأطفال باسمه (قرقيعان فلان .. قرقيعان فلان).

القرقيعان في الكويت وشرق السعودية وقرقاعون في البحرين وقرنقشوه في عمان والماجينة في العراق وحق الليلة في الإمارات وقرنقعوه في قطر؛ مهما اختلفت مسمياتها كلها تعود لمعنى واحد؛ طواف حول الدور بأكياس تُشد على الرقبة والصدر تسمى الخريطة أو سلال خوص تسمى بالمخلاة تصدر صوت قرقعة لما يوضع فيها من الحلوى وأبيات مُغناة معروفة تغنت بها مُدن العراق: (ماجينة يا ماجينة حلّ الكيس وأنطينه؛ أنطونه الله ينطيكم بيت مكة يوديكم) وسكك الكويت:(قرقيعان وقرقيعان عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم يا مكة يا معمورة ياأم السلاسل والذهب عطونا دحبة ميزان يسلم لكم عزيزان) ودور الإمارات:( إنطونه حق الله يرضى عليكم الله جدام بيتكم دلة عسى الفقر ما يدله). 


اختيار منتصف شهر رمضان بالذات حُمل على أحداث تاريخية عديدة؛ ومنهم ما حمّله على أهداف دينية؛ أقدم أسبابه احتفالاً بمولد الحُسين سبط الرسول صلى الله عليه وسلّم فكان احتفالاً مُبتدعاً على الدين اسمه احتفال (قرة العين) حتى تحوّل إلى عادة اسمها القرقيعان. ومنهم من يقول أنها تحريف لعادة جرت في عهد العباسيين وهي الطلب في منتصف الشهر بحداء يقول: يا صاحب البيت أجر الجوعان يا ربنا أعطه بيتاً في عالي الجنان؛ وكان الفقراء يقصدون بيت الخليفة وبيوت الوزراء كما ذكر ذلك أبو الفرج الأصفهاني في كتابه (الأغاني).
أما الرواية الأخيرة فتراه أمراً مستحدثاً من أهالي الخليج حين اُستعمروا من البريطانيين ووافق احتفالهم بالهالوين منتصف شهر رمضان فاستحسنوا الفكرة اعتقاداً منهم أنهم يشاركونهم فرحتهم بشهر رمضان.

القريش و القرقيعان كلاهما غرِقا في مظهريّة مقيتة وإسراف وتبذير نقلتهما من عفوية وبساطة الماضي إلى اصطناع وتكلف الحاضر ففقدا لذتهما والألفة الحاضرة فيهما. فصار القريش وليمة تُمد فيها أصناف الطعام وقد يتعدى ذلك البيوت إلى الفنادق الفاخرة والمطاعم الراقية. صار يسبقهما بطاقات دعوات شخصية واستعداد باللباس والهدايا المتكلفة وطرق التغليف المبالغ في مظهرها ومبلغها حتى لمْ يعد هناك من قيمة تراثهما سوى مظهر واسم. فهل سيقتص التاريخ يوماً من الحداثة؟