الاثنين، 6 يونيو 2016

وإليك يا نفس شهراً يغمرك سلاماً ورحمة




الهواء النجديّ الجاف كأهله؛ لم يستطع أن يقف أمام نسيم الشهر العليل؛ هل لكم أن تتفكروا في شهر لا يتغير طيبُ هواءه وعليل نسيمه أبداً! شهر يصمد أمام قوى دوران الأرض حول الشمس ليبقى دائماً كما هو الشهر العذب الذي لا يمل منه أحد ولا تشتكي منه نفس بل تظل دوماً في اشتياق وترقّب له.

نجد القاحلة؛ بصيفها اللاهب وشتاءها الجاف في تلك الأيام تسكُن روحها وأرواح أهلها برداً وسلاماً؛ ببساطة كأيامهم؛ لا استعداد مسبق ولا سُفر تُمدّ ولا بيت مؤنة يمتلئ؛ قائمة طعامهم لا تتغير؛ عمادها التمر واللبن ودقيق القمح أو الذرة؛ وغاية استعدادهم لشهر الصوم هو تحرّيهم للهلال ابتداء من ليلة التاسع عشر من شعبان حيث يخرج الأمير والقاضي والأعيان ومن اشتهر بحدة النظر والخبرة لرؤية هلال رمضان. أفق نجد المفتوح كالكتاب؛ الممتد امتداد النظر وأكثر؛ اللامنتهي للمتأمل له؛ منح النجديين اتساعاً لمداركهم وخبرتهم في مجال الفلك ومنازل القمر والأجرام السماوية. 

حين تثبت رؤية الهلال يُعلن عن الخبر ويسري بين البيوتات والقرى؛ إما بإرسال الرسل على ظهور الخيل والجمال؛ أو بإشعال النار على رؤوس الجبال؛ لكن الساعات قد تسبقهم ويدخل شهر الصوم ولم يبلغ خبره بعض البدو الرحل أو القرى البعيدة إلا بعد انتصاف اليوم الأول من رمضان. 

رمضان حين يحل على نجد ضيفاً؛ يحسنون وفادته وضيافته؛ رغم الفقر وقلة ذات اليد. لكنهم اهتموا به وبشعائره لعظمه في نفوسهم؛ فالمساجد تلقى عناية خاصة؛ والطرقات تمتلئ بالسرج لتنير طريق القائمين والمتهجدين؛ وتكثر قرب الماء على أبواب المساجد حتى إنها صارت من أشهر الوصايا التي يوقفها النجدي؛ جلود الأضاحي أن تكون قرب ماء للسبيل في رمضان أو نخلة بثمرها وتمرها فطوراً للصائمين.

قائمة التسوق طوال العام هي ذاتها؛ تمر وطحين ولبن وبعض الخضرة لمن كان موسراً؛ لكنها أبدعت أطباقاً متنوعة؛ حلوة ومالحة. "المريس" يعتبر المشروب الرمضاني الأول وهو منقوع التمر المنكه بالإقط؛ "الحنيني" طبق حلو مكون من عبيط التمر مع طحين القمح ويشبهه "الحيس" إلا أن الآخر يعد من النوع الفاخر الذي لم يكن في متناول الناس البسطاء.

سلام من الله على نجد ورمالها؛ هواءها ونخيلها؛ سلام من الله على من لم يمنعهم فقرهم عن وفادة رمضان حق الوفادة؛ ولم يمنعهم قلة حفظهم للقرآن عن الاعتكاف في المساجد؛ ولم تمنعهم قلة ذات اليد عن مشاركة جيرانهم سُفرة الافطار؛ سلام على حميدان الشويعر حين قال :

تاجرٍ فاجرٍ ما يزكي الحلال
لو يجي صايم العشر ما فطّرهْ