.
إن أردت الولوج إلى ذاكرة المدن الفنيّة وبراعة تاريخها المعماري؛ فقف أمام أبوابها العتيقة وتأمل فنون النحت والتنسيق؛ اختيار الألوان و الرسومات وأماكن مقابض الأبواب والمسامير؛ أشكال الأبواب المقوسة أو المستطيلة ذات الزوايا؛ الأبواب القصيرة والضخمة ؛ ذات الدرفة أو الدرفتين أو الأبواب الضخمة التي تحتضن أبواباً صغيرة بداخلها. كل باب له حكاية وكل لون له معنى؛ وكل باب لا يقابل الآخر تعظيماً لحرمة الجيرة.
تميزت مدن البحر المتوسط و بحر إيجة باختيار اللوان الأزرق أو الأخضر في تزيين اطارات أبوابها لتصبح هذه المدن وكأنها قطعة من السماء مشرقة ومبهجة؛ واختلطت فيها ثقافات الحضارات التي مرت بها وديانات أصحاب هذه البيوت؛ فترى الطراز الأندلسي بالنقوش الإسلامية مع إضافات لرموز المسيحية؛ وترى اللمسات العثمانية واليونانية ممتزجة في بعض المدن الأخرى.
تتشابه أبواب البيوت في الشام والحجاز وتُظهر عُمقاً جمالياً بعمق الإرث الحضاري لهذه الأراضي باختيار الألوان الغامقة مع جمال التصميم وإبداع النقش للأربيسك الذي نما في حضن النقوش الإسلامية؛ وإن اتجهت جنوباُ ومررت بنجد ومدن الخليج تجد اهتمامها مولعاً بدمج النقش والحفر بالتلوين وهذا يدل على ارتفاع الحس الفني لدى صُناعها. وحتى تصل إلى اليمن تجد الحس الفني هو ذاته لديهم؛ يبقى عالياً دائماً.
وعلى الرغم من أن المستوى المعيشي لأصحاب البيوت يظهر من على أبوابها إلا أن تناسق هذه الأبواب في الأزقة يشكل لوحة خلابة فاتنة، تجد السُياح يتجمهرون أمامامها ويلتقطون الصور التذكارية ويجعلونها خلفيّات لصورهم الشخصية. حينها نعلم أننا نمتلك إرثاً قيّماً وفاتناً جداً.
لم تكن الخامة التي تُصنع منها هذه الأبواب سوى قطع من الأخشاب المحلية وقلّة منها مستورد من الهند أو اندونيسيا .. ومن ما يُلاحظ فيها أن مساحة الأقفال فيها صغيرة لا يُعبأ كثيراً بأهميتها دلالة بارزة على مستوى الأمن والحميمية والثقة التي كان ينعم بها أهالي تلك البيوت، لكن بات الآن المستورد الحديدي هو سيد المكان ودلالة على تغير الزمان وسيادة عدم الثقة والأمان! حينها انطفأت الحياة في الأحياء والبيوت ولم يعد لها ذاك الرونق أو تلك الفتنة.