الأربعاء، 17 يونيو 2015

فانوس رمضان




هل تعرفون معنى أن تمسي الدار العربية وهي تشع ألواناً؟ معنى الشاعرية الممزوجة بالأجواء الروحانية؟ معنى الدفء الأنيق الذي يبعثه ذاك الضوء المنبعث من وراء الزجاجة الهندسية الملونة؟ تلك الزجاجة التي قامت عليها دراسات وبحوث ورسائل أكاديمية ذلك الفلوكور الشعبي الذي امتد من كونه رمزاً لمكان إلى كونه شعاراً لأمة كاملة تحتفل بدخول شهر صومها به.

لمَ صار الفانوسُ يعانق هلال شهر الصوم في كل ما يخص رمضان؟ 
لم يتفق التاريخُ غالباً على رواية واحدة فيما يخص التساؤلات. فيعطي من الحكايات ما يشبع الفضول ويزيد، حول كيف ظهر هذا! ومن فرض ذاك! ومن ابتكر تلك! وكذا حال فانوس رمضان، إلا أنه ومع اختلاف روايات ظهوره اتفقت على ميلاده من رحم "أم الدنيا" مصر.

في عام ٣٥٨ هجري كان الخليفة الفاطمي (المعز لدين الله) على مشارف القاهرة، وبأمر من حاكم مصر آنذاك (جوهر الصقلي) خرج الناس لاستقبال الخليفة ليلاً حاملين معهم الشموع التي أحاطوها بالجريد والجلد الرقيق القائم على قاعدة خشبية لتحميها من الهواء. ذاك المشهد نال إعجاب الخليفة والحاكم معاً لتكون بعدها سنة رمضانية مصرية أصيلة. ويقال أن الخليفة الفاطمي ذاته (الحاكم بأمر الله) لم يكن يسمحُ للنساء بالسير ليلاً إلا أنه لم يكن ليمنعهن من صلاة التراويح في المسجد شريطة أن يسير أمامهن طفل يحمل فانوساً ليفسح الرجال الطريق للنساء ستراً وحمايةً لهن.
 يُجمع التاريخ أن الفانوس كان صنيعة فاطمية رمضانية بحتة، فيقولُ أن تعليق الفوانيس كان واجباً في ليالي رمضان لإضاءة جوانب الطريق للمتجهين للصلاة والقيام ثم يرفع حال نهاية الشهر ليعاد استخدامه في رمضان القادم. ويقول أنه كان واجباً على التجار وأصحاب العقار المساهمة في تزيين الحوانيت والطرق احتفالا بمقدم الشهر الفضيل، ومع كل هذا الاختلاف في الروايات إلا أنه يبقى موروثاً مقدساً لدى المصريين ورمزاً تزاثياً شعبياً عريقاً لهم. 

وزارة التجارة والصناعة المصرية منعت استيراد الفوانيس في بادرة رائعة للحفاظ على هذا الموروث الصناعي الذي تميزت به مصر عن غيرها، وبه اشتهرت الغورية وبركة الفيل حيث تجد أشهر العائلات التي توارثت صناعته جيلاً بعد جيل بل وطورته من مجرد علبة صفيح إلى تحف فنية ارتبطت بفنون التحف والتصميم الداخلي الشرقي. 



لذلك حين يمد الأب المصري لطفله فانوساً ليلة رمضان فهو يهديه تراثاً يجب أن لا يتخلى عنه. تراثاً أبلغ الأدباء حين وصفوه بقولهم:


ونجمٌ من الفانوس يشرقُ ضوؤهُ ** ولمْ أرَ نجماً قط قبل طلوعهِ
ولكنهُ دونَ الكواكبِ لا يسري ** إذا غابِ ينهى الصائمين عن الفطرِ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق