مع وجود الآذان لمَ وجد مدفع الإفطار؟
الصوت الذي ارتبط في ذهن كل مصري مع حلول وقت الإفطار؛ هل كانت بدايته محض مصادفة؟ وسيلة الحرب الجبّارة كيف صارت نداءً لإعلان شعيرة تراحمية سِلمية؟
تجيب صفحات عام ٨٥٩ من التاريخ الهجري عن ذلك، فهي قد شهدت مولد هذا التراث الجميل فتقول: كان والي مِصر الإخشيدي (خوشقدم) يجرب مدفعاً جديداً أهداه إليه أحد الولاة وتوافق إطلاق المدفع مع رفع أذان المغرب معلناً إفطار اليوم الأول من رمضان ذاكَ العام. هذه المصادفة جعلت من شيوخ وكبار رجال القاهرة يتوافدون على قصر (خوشقدم) يشكرونه على هذه البادرة ليُسمع وقت الإفطار بوضوح في أرجاء البلد؛ وهي في الحقيقة محض مصادفة! لكنها استمرت لأجيال ودول متتالية حتى صارت معلماً معروفاً مرتبطاً بالمواسم الدينية. لمْ تكن حادثة والي مصر الإخشيدي هي الوحيدة؛ بل يُذكر أنه قد وصلت هدية ألمانية الصنع لمحمد علي باشا الكبير عبارة عن مدفع حربي وكانت تجربة القذيفة الأولى موافقة لغروب شمس اليوم الأول من رمضان وبه استمرت هذه العادة.
( الحاجة فاطمة ) هو أحد المسميات الشهيرة لمدفع رمضان نسبة إلى ابنة الخديوي إسماعيل حين أُطلق المدفع مصادفة أثناء تنظيفه وقت الإفطار وهذا الإعلان عن حلول وقت الإفطار نال إعجابها فأصدرت فرماناً يقضي بإطلاق المدفع وقتيّ السحور والفطور.
تعددت القصص والروايات حول أول ظهور للمدفع؛ وقد يكون هذا بسبب انقطاع تلك العادة فترات ثم يأتي من يحييها من جديد، إلا أنها من بعد الحاجّة فاطمة لم تنقطع بل وانتشرت من مصر إلى دمشق والقدس ثم بغداد في أواخر القرن التاسع عشر ثم باقي الخليج والحرمين الشريفين. وامتد انتشاره غرب مصر وجنوبها من البلدان الإفريقية، بل وتوسع استعماله من رمضان إلى المناسبات والأعياد الدينية.
طلقة عند إعلان شهر رمضان وأخرى عند السحر والثالثة مع حلول موعد الإمساك وصلاة الفجر؛ هذا هو الترتيب المعروف لطلقات المدفع الرمضاني. ثم إذا هل هلال العيد كانت سبع طلقات معلنة انتهاء شهر الصوم. لكن طلقة المدفع العظمى التي يسري دويها في أجساد مترقبيها هي طلقة غروب الشمس قبل أذان المغرب بلحظات حين يعلن مشرف المدفع ( مدفع الإفطااااار... إضرررررب ) فتكون فرحة الصائم الأولى عند فطره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق