الجمعة، 26 يونيو 2015

المُسحّر أبو طبلة !







حين يغفو هلال شعبان الأخير يولد من رحمه هلال رمضان ليمضي رجلٌ  بين البيوت وهو يحمل بين يديه طبلة يدقها مردداً كلماتٍ مقفاة مُعلناً ولادته وليبدأ بذلك
 مهمته الليلية التي لا يستلم عليها أجراً إلا بعد حلول العيد فتكون فرحته اثنتين

(المُسحّر) 
هكذا يُسميه أهل مكة الّذين اعتادوا أن يكون هو من يوقظهم لتناول السَحور قبيل الفجر؛ في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان بلال ابن رباح وابن أم مكتوم هُما من استلما هذه المهمة فالأول كان يؤذن لأجل السحور حين يؤذن الآخر لأجل الامتناع والإمساك. لكن مكّة توسعت وصار وصول صوت الآذان ليس سهلاً فابتكر المكّيون وظيفة المُسحّر حيث أثار هذا استغراب ابن جبير الأندلسي حين زار مكة في رمضان فيروي ذلك: (المؤذن الزمزمي يتولى التسحير في الصومعة، التي في الركن الشرقي من المسجد بسبب قربها من دار الأمير، فيقوم في وقت السحور فيها داعيًا ومذكّرًا ومحرّضًا على السحور، ومعه أخوان صغيران يجاوبانه ويقاولانه، وقد نُصبت في أعلى الصومعة خشبة طويلة في رأسها عود كالذراع، وفي طرفيه بكرتان صغيرتان يُرفع عليهما قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يَقِدان مدة التسحير. فإذا قرب تبيين خيطي الفجر، ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، حط المؤذن المذكور القنديلين من أعلى الخشبة، وبدأ بالأذان، وثوّب المؤذنون من كل ناحية بالأذان)

ولمّا كانت الفوانيس هي (مُسحّر) أهل مكة. كان المسلمون في البلاد الأخرى يعينون من أهل حيّهم من يقوم بهذه المهمة بالطواف حول البيوت وإيقاظ النائمين وتذكير القائمين والمعتكفين بقرب دخول وقت الفجر؛ ويُقال بأن أول من ابتدع الطواف حول البيوت همْ أهل البدارة والصدراة أهل مِصر. ففي عام 228 هـ كان عنبسة ابن إسحاق يمشي من مدينة العسكر وحتى الفسطاط منادياً للسحور ثم تنوقلت مهمته بين العسكر وبين أشخاص تعينهم الدولة أو شخص يتفق عليه أهل الحيّ فيدور بالطبلة والمزمار أو يدق الأبواب بالنبابيت. 

لم يستطع طوفان الحضارة والتكنلوجيا أن يُغرق هذا الفلوكور تماماً؛ فلم تزل وحتى اليوم بعض الأحياء والقرى في الدول العربية تُعيّن من يقوم بمهمة إيقاظ الناس وتذكيرهم بالسحور تحت مسمى (المسحراتي) أو (أبو طبلة) سواء كان من رجال الحيّ أو من الأطفال لأجل إشراكهم في مظاهر الشهر الفضيل. فيدورون منادين أهل الحيّ بأسماءهم ومرددين عباراتهم المعروفة والمتوارثة:اصحى يانايم وحد الدايم؛السعي للصوم خير من النوم؛ دي ليالي سمحه نجومها سبحه؛ اصحى يانايم يانايم اصحى وحد الرزاق؛ رمضان كريم يا نايم وحّد الدايم يا نايم وحّد الله.ليكون دعاءهم للسحور موافقاً لنزول ملائكة الفجر و أزيز القائمين بالسحر وصلاة الله على المتسحرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق